ذكريات طفلة من غزة


كان يوما عاديا لم يختلف كثيرا عن غيره خرجت الى مدرستى كأى يوم آخر لم أكن أعرف


وأنا أسير الى مدرستى أن هذا اليوم سيختلف كثيرا

عن الأيام التى سبقت لم أكن أعرف أن اليوم سيشهد بداية لمجزرة لم يسبق لها مثيل .

كنت فى حصة الرسم وطلبت منا المعلمة أن نرسم حلمنا فى الحياة

أخذت أرسم أملى فى حياة كريمة كباقى أطفال العالم ...
أملى أن أرى وطنى بلا محتل ...
أملى فى .....

لم أكمل آمالى ...

فقد سمعنا أصوات الانفجارات التى أبت حتى أن نحلم

كانت الأصوات مدوية
و

الضرب فى كل مكان

وكانت الصدمة عنيفة

رأيت الجميع يجرى بلا نظام

كانت زميلاتى يجرين هنا وهناك وأصوات الانفجارات تزداد وكأنها تلاحقنا

نزلنا من مبنى المدرسة الى الفناء لا نستطيع أن نفسر ما يحدث

لا نستطيع أن نتصرف
لا

نستطيع حتى أن نبكى

وهاهى الطائرات تقترب وتقترب لقد أصبحت فوقنا

انها تقصف أجزاء من المدرسة ... ها هو مبنى المدرسة ينهار

وها أنا أسمع صرخات زميلاتى ... نظرت إلى جوارى انهن يتساقطن

البعض يصاب بشظايا ... يسقطن جرحى ... بل قتلى

نجرى جميعا لا ندرى أين نذهب ولكننا نجرى أخذت أجرى ناحية بيتى بالفطرة حيث

موضع الآمان .. أخذت أجرى والشهداء يسقطون من حولى ..

ما ذنب هؤلاء ؟

أخيرا وصلت الى المنزل ..

لأجده مجرد حطام ..فلم يكن ليسلم من القصف

تذكرت كيف بناه أبى وكيف اسشهد على أعتابه حينما أراد اليهود طردنا منه فرفض ودفع


ثمن ذلك غاليا من دمائه

كان دائما يقول بأن الحياة لا ثمن لها ان لم تكن فى عزة وكرامة

وجدت أمى أمام المنزل وقد حملتنى سريعا وجرت بى ..

زهلت من الموقف لم أستطع حتى أن أسئلها عما حدث ..

جرينا كثيرا وابتعدنا عن منطقة القصف جلست أمى الى جانب أحد الشوارع

ولم نكن ندرى أن القطاع كله منطقة مباحة للارهاب الصهيونى !

سألت أمى : ما هذا ؟ ولماذا يقصفوننا ؟

جاوبتنى وقالت : يريدون منع المقاومة من اطلاق الصواريخ

- صواريخ ... أية صواريخ ؟! وهل فى بيتنا صواريخ حتى يهدموه

أم أنها فى المدرسة

وهل زميلاتى هن من يطلقن الصواريخ ؟؟

ثم ألم يقولوا سابقا بأنها صواريخ عبثية !

فهل يواجه العبث بكل هه الترسانة !!

كل هذه الاسئلة دارت برأسى ولم أجد لها أجوبة

كنا قد أوشكنا على المغرب

وكان القصف قد هدأ قليلا

أخذتنى أمى من يدى الى حيث بقايا منزلنا لنتفقده ووصلنا وقفنا أمامه

جلسنا الى جواره رأيت الدمع فى عينى أمى

ولكنها نظرت الى وتبسمت كانت ترانى طفلة

ولكن أية طفلة طفلة فى وطن لم لا مكان فيه للعب ...

طفلة تحيا تحت القصف والنار ..

لقد قتلت الطفولة فى وطنى

أمى لا تتكلفى التبسم ..
أمى

أرى الغضب فى عينيك ..
أمى

أرى الحزن فى وجهك ...
أمى

أرى المرارة تعتصر قلبك ..

ضمتنى اليها أرادتنى أن أنام ولكن أى نوم ؟

أنوم تحت أزيز الطائرات ؟

أنوم فى العراء ؟

وفجاءة تجدد القصف ..
وهنا

جرى الجميع فى زعر مرة أخرى

لم أجد أمى افترقنا عن بعضنا

أصبحت وحيدة

تحت قصف عدو لا يرحم ضعف طفلة صغيرة

أخذت أجرى هاربة من النيران

لم أكن أملك غير الجرى ..
ابتعدت الطائرات بعد أن أصابت ما أصابت
وبعد

أن أوقعت من الشهداء والجرحى عدد لا بأس به

لم أكن أدرى أين أمى ؟

أخذت أبحث فى الوجوه عنها ولكن هيهات لم أجدها

تعبت من البحث جلست الى جوار ركام أحد المنازل

وماذا تبقى فى وطنى غير الركام ؟؟!!

رأيت الجثث تملأه

ولكن وفى وسط

عشرات الجثث وجدت جثة أمى

نعم انها هى ...

قد غطاه التراب ..

أمى قتلوكى ....

لم يرحموا ضعفك ...
أمى هل أنت ممن يطلقون الصواريخ ..

لماذا قتلوكى اذا ؟؟

اليوم قد قتلوكى أمى .. وبالامس قتلوا أبى

قتلوا أهلى جميعا ... وقتلوا أصحابى وجيرانى

هدموا منزلنا .. وهدموا مدرستى .. بل هدموا وطنى

ولكنهم لن يهدموا الامل فى نفسى
لن يهدموا أملى فى الحياة الكريمة
لن

يهدموا أملى فى أن أرى وطنى حرا
لن

يهدموا أملى فى أن أرى وطنى بلا محتل

سأرى وطنى بلا محتل...

سنحرر وطننا

ولا بد أننا سندفع ثمن ذلك

ليكن الثمن من دمائنا

لتكن دمائنا ثمن تحرير أوطاننا

ولكننا سنحرر أوطاننا

وسيبقى أملنا .